بقلم :- محمد السويركي
أشخاص أحببتهم ، علقوا وما زالوا يعلقون في الذاكرة ، تلك الذاكرة التي تُسعفني وتُسعدني كثيرا ، كلما عصفت بي هموم الحياة اليومية ، أعود إليها مرتحلا ، مستأنسا وباحثا عن بعض مواطن الجمال ، وحديث الذكريات ، الذكريات التي من خلالها انتشي كلما لامست الجرح المكلوم والمهموم ، فهي بمثابة المرهم للإنسان في هذا الكون ..ليس أنا الوحيد ، هو الذي ربما يهرب أحيانا من تقلبات الحياة ، فهنالك الكثير من الأصدقاء الذين أعرفهم ، فيُسرون لي وأُسر لهم ..
فعبر هذه الشطحات الفكرية والتأملية ، يتم استدعاء بعض الذكريات .. ، تلك الذكريات القابعة في أعماق النفس ، والمتراكمة بفعل السنين ، إذ يتم استدعاء بعضها ، – عند الحاجة – ، والتي غالبا ما تكون على شكل ملفات ، ليست ملفات ” excel أو word ” المعروفة ، وإنما ملفات ربانية ، سماوية بتركيبة نورانية ، أودعها الله سبحانه في الذات البشرية ، وهي أسرار إلهية تُريح النفس وتُسعد الضمير ، وذلك من خلال عرضها وتأملها والتعامل معها ..
هذه الميزة والخاصية ، ذات التأمل المتأني ، والسّر الخفي في تركيبة العقل البشري ، تحتفظ بكم هائل من الأحداث والأشخاص ، والتي أصبحت جزءا من الذاكرة البشرية .. حيث يتم من خلالها استدعاء بعض الصور المريحة والمهدئة للنفس البشرية ..
فسبحان الله في عليائه.. ، كم هو الكائن البشري ،عجيب غريب في مخزونه وتخزينه لمثل هذه الملفات الربانية ..
أحبتي لا أريد أن أذهب بكم بعيدا ، فما هذه التقدمة ، إلا صورة جميلة استدعيتها من الذاكرة ، لرجل شهم سكن الشواطن ، قريبا من ديرة الأمير نايف بن حبيليص المطيري ،انه الفاضل،أبو محمد حوصان ..
إذ كلما تذكرت بلدة الشواطن الغالية ، يقفز ذالك الإنسان من الذاكرة ، ويقف أمامي شامخا بكل أدب وخُلق وطيبة نفس ..، أبو محمد حوصان لك وعليك السلام أينما كنت ..
حينما أتذكر الرجل ، أتذكر تلك اللحظة الجميلة التي دخل بها إلى إدارة المدرسة ، مدرسة الشواطن الأساسية ، والتي كان مديرا لها آنذاك المربي الفاضل ، ملحان بن حبيليص المطيري ، فجلس يتأمل أجواء الإدارة ، وطبيعة المدرسة ، مبديا إعجابه بهمة وإدارة المدير والمعلمين ، ثم طلب من المدير قائلا : ” تكفى يا أستاذ ملحان ، أباك أنت والمدرسين تتغدون عندنا غد ، فقال له المدير : ” تسلم يا أبو محمد ، والله ما نبغى إلا سلامتك ، فرد حوصان والله إلا تتغدون عندنا ، فقال له المدير ابشر يا أبو محمد ، علما ، صدقني ماله داعي ” .
أحبتي كمعلم كنت في تلك المدرسة وحاضرا لتلك الجلسة ، أستمع للحوار الذي يدور بين الرجلين ، ” حوصان – أبو محمد ” ، وبين المدير ملحان أبو سامي ، كنت أقرا ما بين السطور ، صورة المواطن السعودي ، الذي يسكن الصحراء ، المواطن الذي يتحمل حر الشمس ، صيفا ، وزمهرير البرد شتاء ، المواطن الذي قهر الآلة ، وتحديدا السيارة أو ” الوانيت ” ، وأحسن التعامل معها ، حيث بت ترى المواطن وكأنه متخصص في التعامل مع تقنيات الآلة الحديثة ، إصلاحا وقيادة وتوجيها أو نصحا ..
ليس هذا وحسب ، فإذا ما نظرت إلى الاهتمام في التعليم وجدته ذكيا متابعا ومجتهدا ، ليس عند الطالب فقط وإنما عند ولي الأمر ، فهو يحرص على أن يأخذ بيد أبنائه ، أدبا وخُلقا وتعليما ومتابعة ، رغم صعوبة الحياة في قلب الصحراء ..
لذا تجد ولي الأمر يعمل جاهدا على توفير ضروريات التعليم ، كالإنارة والقرطاسية ، والإنفاق على تعليم أبنائه ، حتى وان وصل به الأمر إلى بيع ” المانوحة ” . ؟!
المهم .. ذهبنا في اليوم الثاني إلى بيت ذلك الرجل ” أبو محمد حوصان ” ، وتناولنا وجبة الغداء في صيوان نصب هنالك على كتف تلة من تلال بلدة الشواطن الحبيبة ، فكان يحرص صاحب البيت على إكرامنا بعفوية البدوي ، وبكرمه الأصيل والمعهود ..
كم كان الرجل سعيدا ، إذ تحققت أمنيته ، بدعوة المعلمين ، والتواصل معهم وإكرامهم ..
“أخي حوصان ، أبو محمد ” ، يشهد الله أنني دخلت بيتك محبا ، ورسمت صورتك في القلب عاشقا ، لأنك الإنسان ..
وهذه تحية وقبلة لك ولولدك محمد أينما كنت وأينما كان ، بل قبلة للشواطن المكان والإنسان ..
التعليقات 1
m3and
19 مايو، 2010 في 12:50 مساءً[3] رابط التعليق
نشكرك على ثناء من احببت يااستاذ محمد